ديسمبر
2024
عُرف عن صلاح جاهين فى طفولته الهدوء رغم كونه الابن الأكبر والأخ الأكبر لثلاث شقيقات هن: "بهيجة" و"وجدان" و"سامية" وتصغره الأخيرتين بفارق زمنى كبير لذا توثقت علاقته بشقيقته السيدة بهيجة فكان شديد الحنان والتسامح مع أخته حتى أنه كان يتطوع للدفاع عنها عند عقابها إذا ما أخطأت فى حقه. كان يتمتع منذ صغره بموهبة "الحكى" فكان يقرأ كل ما تقع عليه عيناه ثم يعيد روايته لشقيقاته بأسلوب شيق ومميز يحرص فيه على إيقاع الكلمات. رغم هذا الظهور المبكر لموهبة الشعر إلا أن موهبة الرسم قد تأخرت فى الظهور حتى سن الرابعة عشر تقريباً فلم تزد درجاته فى الرسم طوال طفولته عن 4 على 10 ولكن يرجع الفضل فى تفجر موهبة صلاح جاهين فى فن الرسم إلى مدرس الرسم فى هذه الفترة من حياته "الأستاذ الأرناؤوطى" الذى بوعيه وتفهمه منح للأطفال الحرية فى التعبير عن بعض القصص الخيالية وقصص من الأدب العالمى التى كان يقرأها عليهم لكسر قيود التقليدية وهنا وجد الطفل صلاح جاهين متنفساً لقدراته الفنية الحرة فى الخروج والتعبير فتفوق فى الرسم وشارك فى العديد من المسابقات الدولية لرسم الأطفال. بشكل عام كان صلاح جاهين طالباً مجتهداً رغم اهتماماته العديدة وعدم رضاؤه عن الأساليب التقليدية فى التعليم وترحال الأسرة الدائم فقد حصل صلاح جاهين على الابتدائية من أسيوط وعلى الثقافة من المنصورة والتوجيهية من طنطا.
كان صلاح جاهين هادئاً حنوناً صادقاً محباً لكل من حوله عشق فنه فعشقه الناس فكان ريشة ترسم أرواحهم قبل صورهم. لقد كان ضميرهم ينبههم ويضحكهم على أحزانهم قبل أفراحهم فكانت "الدنيا ربيع" و"الحياة لونها بمبى" و"بكرة أجمل من النهاردة". بدأ صلاح جاهين حياته العملية فى جريدة بنت النيل ثم جريدة التحرير وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه "كلمة سلام" فى عام 1955 وفى منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير فى مجلة روز اليوسف ثم فى مجلة صباح الخير التى شارك فى تأسيسها عام 1957 واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى وقهوة النشاط والفهامة وغيرها من الشخصيات وعمل أيضا رساما للكاريكاتير في صحيفة الاهرام حيث كان كاريكاتير صلاح جاهين أقوى من أي مقال صحفى وظل بابا ثابتا حتى اليوم ولم يستطع أحد ملء هذا الفراغ حتى اليوم بنفس مستوى جاهين الذي يتميز بخفة الدم المصرية الخالصة والقدرة الفذة على النقد البناء وبخفة ظل لايختلف عليها اثنان.
كان صلاح جاهين على شفا دخول المعتقل فقد وُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة وخلال تلك الفترة لم تتوقف أعمال صلاح جاهين الشعرية فأصدر ديوانه الأول "كلمة سلام" عام 1955 ثم ديوانه الثانى "موال عشان القنال" عام 1957 وفى نفس العام كتب "اليلة الكبيرة" أحد أروع إبداعاته والتى لحنها له سيد مكاوى أحد أقرب أصدقاؤه ولقد مثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 فترة النضج الشعرى عند صلاح جاهين والتى بلغت قمتها بصدور ديوانه "الرباعيات" عام 1963 ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه "قصاقيص ورق". كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التى تغنى بها العديد من المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ مثل "صورة" و"بالأحضان" و"والله زمان يا سلاحى" الذى اتُخذ النشيد الوطنى المصرى إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وغيرها من الأعمال الوطنية التى بقت راسخة فى ذاكرة الشعب المصرى. توفى الشاعر العظيم صلاح جاهين 21 ابريل عام 1986 حين ابتلع جرعة زائدة من الحبوب المنومة والتي كان يتناولها للتخلص من مرض الاكتئاب ولكنه اسلم الروح وهو لم يتجاوز السادسة والخمسين من العمر مخلفا وراءه ثروة فنية هائلة تمثلت في مئات القصائد ورسوم الكاريكاتير.
أضف تعليق